دور القضاء الوطنى بشأن أحكام المحكمين
نظم المشرع الأمارتى التحكيم كوسيلة لفض المنازعات بين المتنازعين من خلال قانون الاجراءات المدنية والتجارية الاتحادى، فى المواد من 203 إلى 218، ولم يشترط القانون شروط معينة على المتقاضين للجوء للتحكيم، وإنما أشترط فقط الاتفاق الصريح فيما بينهم على اللجوء للتحكيم، فإذا كنا مثلا بصدد عقد مقاولة وقام نزاع بين أطرافاه بشأنه، فحتى يحق لطرفاه اللجوء للتحكيم يجب أن يكون العقد قد نص صراحة على اللجوء للتحكيم او ان يتفقا لاحقا بعد قيام النزاع على اللجوء للتحكيم كوسيلة لحسم النزاع بينهما، وقد نصت على ذلك المادة 203 من القانون السابق الإشارة إليه، وقد أشترطت هذه المادة أن يكون الاتفاق على التحكيم ثابت كتابة، وأن يكون الاتفاق على اللجوء للتحكيم ممن له أهلية التصرف فى الحق محل النزاع، واستثنى القانون المذكور سابقاً من الخضوع للتحكيم المسائل التى لا يجوز الصلح فيها، فضلا عن المسائل الجنائية بطبيعة الحال، ونضيف إلى ذلك المسائل المتعلقة بالنظام العام.
وهدف المشرع من وراء اللجوء للتحكيم كوسيلة لفض المنازعات التى تنشأ بين المتنازعين، هو أن يجد الناس وسيلة سريعة لحسم منازعاتهم بعيداً عن بطأ القضاء العادى، وهذه الغاية كان لها دور كبير فى تحديد سلطة القضاء الوطنى بالنسبة لأحكام التحكيم، فالقانون الوطنى لدولة الإمارات لا يجيز تنفيذ أحكام التحكيم إلا بعد التصديق عليها، وعلى هذا المبدأ نصت المادة 215 من القانون السابق الإشارة إليه بأنه: ((لا ينفذ أحكام المحكمين إلا إذا صادقت عليه المحكمة التى أودع الحكم قلم كتابها وذلك بعد الاطلاع على الحكم ووثيقة التحكيم........))”.
ولا يجوز للمحكمة أن تمتد يدها إلى موضوع النزاع الذى فصل فيه حكم التحكيم بأى مبرر عند تصديقها على حكم التحكيم، فإذا ما اغفل حكم التحكيم الفصل فى بعض طلبات المحتكمين، جاز للمحكمة التى تنظر دعوى التصديق عليه أن تعيده إلى المحكم الفرد أو إلى لجنة التحكيم التى أصدرت حكم التحكيم، وهذا ما نصت عليه المادة 214 من ذات القانون المذكور سابقاً، وفضلا عن ذلك فقد نصت ذات المادة الأخيرة كذلك على انه للمحكمة أن تعيد حكم التحكيم لمن أصدره لتفسيره وبيانه إذا كان غير محدد ولا يمكن تنفيذه على النحو الذى عليه دون تفسيره وتوضيحه، فالواضح أن المشرع عمل على غلق الاسباب التى تؤدى إلى أمتداد يد المحكمة التى تنظر دعوى التصديق إلى الحكم محل التصديق.
فبعد أن يصدر حكم التحكيم تتناوله المحاكم الوطنية بالتصديق، ولا يجوز للأخيرة أن تنال من موضوع الحكم أو إلى ما انتهى إليه، فقد استقر العمل قانونا على أنه لا يجوز للمحكمة التى تنظر دعوى التصديق أن تنال من تقدير المحكم، فكل ما اتصل بتقدير المحكم للنزاع سواء من الناحية الواقعية او الناحية القانونية يخرج من رقابة المحكمة التى تنظر دعوى التصديق، وقد جرى قضاء محكمة التمميز بدبى على هذا الامر فقضت: ((مقرر في قضاء هذه المحكمة وفق ما تقضي به المادتان 212 و 216 من قانون الإجراءات المدنية أنه لا يجوز للمحكمة عند نظر دعوى التصديق على حكم المحكم أن تعرض له من الناحية الموضوعية ومدى مطابقته للقانون أو الواقع ولذلك فان كل منازعة يثيرها أحد الخصوم طعنا في الحكم وتكون متعلقة بتقدير المحكم للنزاع أو عدم صحة أو كفاية أسبابه التي أقام عليها حكمه تكون غير مقبولة))، (طعن رقم 95/2008 مدنى-جلسة 25/05/2008م).
يضحى السؤال الان: إذا كانت المحاكم الوطنية لا تنال من أحكام المحكمين حتى لو كانت غير مطابقة للقانون أو كانت غير مطابقة للواقع، فما هو دورها عند التصديق على حكم التحكيم؟
يقتصر دور القضاء الوطنى عند التصديق على حكم المحكمين، عند حد الاطلاع على حكم التحكيم ووثيقة التحكيم، والتثبت من عدم وجود مانع يمنع من تنفيذ هذا الحكم، ولها أن تقوم بتصحيح الأخطاء المادية التى تكون قد وقعت فى حكم التحكيم، لأن المحكمة التى تنظر دعوى التصديق لا يجوز لها ان تثير من المسائل التى تنال من حكم التحكيم إلا إذا تعلقت هذه المسائل بالنظام العام كأن يكون موضوع النزاع مما لا يجوز أن ينظر أمام التحكيم.
لكن للمحكمة التى تنظر دعوى التصديق على حكم التحكيم لها أن تنظر فى مدى بطلانه بناء على طلب عارض يقدم من الصادر ضده دعوى التحكيم – أى المدعى عليه فى دعوى التصديق – ورغم ذلك فإن الاخير ليس له ان يستند فى دعوى ابطال حكم التحكيم إلى تقدير المحكم من الناحية القانونية أو الناحية الموضوعية، ولنا أن نقدم الاسباب التى يجوز ان يستند إليه الصادر ضده حكم التحكيم لبطلان هذا الحكم من خلال المقال القادم.