تناولنا فى المقال الأول عن التحكيم التجارى فى القانون الاتحادى لدولة الامارات الهدف الذى تغياه المشرع من وراء تنظيمه للتحكيم كوسيلة للفصل فى النزاعات بين المتنازعين، وهو وصول بهم إلى حكم فى موضوع نزاعهم على نحو سريع بعيداً عن بطىء القضاء العادى، فضلا عن ان القضاء العادى يتم على درجتين.
وكان لذلك الهدف المشار اليه سابقاً أثره فى تناول قانون الاجراءات المدنية والتجارية الاتحادى للتحكيم وتنظيم إجراءاته وبيان الاسباب التى تؤدى إلى بطلان حكم التحكيم، إذ عمل المشرع على الحيولة دون أن تمتد يد القضاء العادى إلى حكم التحكيم عند التصديق عليه إلا لأسباب محددة نص عليها على سبيل الحصر، وذلك حتى لا يفوت على الافراد الغاية التى من ورائها نظم المشرع التحكيم كوسيلة لفض المنازعات بين المتنازعين، فلا يجوز بأى حال من الأحوال أن يتناول القاضى الذى ينظر دعوى التصديق على حكم التحكيم تقدير المحكم للوقائع أو للقانون.
لكن القاعدة السابقة ليست على أطلاقها فقد أجاز المشرع الاتحادى للقاضى الذى ينظر دعوى التصديق على حكم التحكيم أن يبطل الحكم للأسباب التى حددها على سبيل الحصر حيث نصت المادة (216/1) على انه: ((1-يجوز للخصوم طلب بطلان حكم المحكمين عندما تنظر المحكمة فى المصادقة عليه وذلك فى الأحوال الآتية.
a. ذا كان قد صدر بغير وثيقة تحكيم أو بناء على وثيقة باطله أو سقطت بتجاوز الميعاد أو خرج المحكم عن حدود الوثيقة .- i
b. ب- إذا صدر الحكم من محكمين لم يعينوا طبقاً للقانون أو صدر من بعضهم دون أن يكونوا مأذونين بالحكم فى غيبة الآخرين أو صدر بناء على وثيقة تحكيم لم يحدد فيها موضوع النزاع أو صدر من شخص ليست له أهلية الاتفاق على التحكيم أو من محكم لا تتوفر فيه الشروط القانونية..
c. ت- إذا وقع بطلان فى الحكم أو بطلان فى الإجراءات أثر فى الحكم));
وبالنظر إلى الاسباب التى حددها القانون كسبب لطلب بطلان حكم التحكيم نجد أنها ترجع جميعها إلى غير تقدير المحكم للواقع والقانون، فالمشرع حدد الحالات التى يجوز أن تمتد يد القاضى لحكم التحكيم بالبطلان، وهذه الحالات محددة على سبيل الحصر وهذا ما أكدته محكمة التمييز فى غير حكماً لها حين قضت بأن: (( العيوب التي يجوز للخصوم طلب بطلان حكم المحكمين قد أوردتها المادة 216 من قانون الإجراءات المدنية على سبيل الحصر، ...... مما مفاده أن كل منازعة يثيرها أحد أطراف التحكيم طعناً في الحكم الصادر من المحكمين في غير الحالات المحددة فى المادة 216 تكون غير مقبوله)). (دبي بتاريخ 29-03-2009 في الطعن رقم 2009 / 32 طعن مدني)
“ونستطيع أن نقسم الحالات التى يجوز بسببها طلب بطلان حكم التحكيم إلى قسمين، القسم الاول: يرجع إلى اتفاق التحكيم، والقسم الثانى: يرجع إلى خصومة التحكيم. ”.
لكن هناك مسألتين يجب التوطئة بهما قبل تناول الاسباب المبررة لطلب بطلان حكم التحكيم، وهما:
المسألة الاولى: أن أحكام التحكيم لا يجوز الطعن عليه بأى وسيلة:
يقوم القضاء العادى على التقاضى على درجتين باعتبار أن محكمة النقض ليست درجة من درجات التقاضى، إلا أن نظام التحكيم لا يقوم على هذه القاعدة إذ لا يجوز الطعن فى أحكام التحكيم باى طريقة من طرق الطعن، وقد نصت على ذلك الحكم المادة (217/1) من قانون الاجراءات المدنية الاتحادى بانه: (( احكام المحكمين لا تقبل الطعن فيها بأى طريق من طرق الطعن)). فلا يجوز بأى وسيلة الطعن على حكم التحكيم، ولا تعد دعوى بطلان حكم التحكيم وسيلة من وسائل الطعن لان الطعن على الأحكام يتناولها من ناحية تقدير القاضى الذى أصدره سواء أكان ذلك ناحية تقديره للقانون أو من ناحية تقديره للوقائع، أما التصديق على حكم التحكيم فلا يجوز تتناول المحكمة من خلاله تقدير المحكم للواقع أو القانون، وقد سارت محكمة التمييز على ذلك فقضت فى غير حكماً لها بأنه: ((النص في المواد 213/3 ، 216/1، 217/1، من قانون الاجراءات المدنيه يدل على أن أحكام المحكمين غير قابله للطعن عليها بأى طريق من طرق الطعن المقررة فى قانون الإجراءات المدنيه))، (دبي بتاريخ 17-02-2002 في الطعن رقم 2001 / 387 طعن حقـوق و 2001 / 414 طعن حقـوق). فالقاعدة مما سبق هى: أن أحكام التحكيم غير جائز الطعن عليها باى وسيلة من وسائل الطعن، لان القول بغير ذلك يفوت الغاية التى تغياها المشرع من وراء تنظيمه للتحكيم كوسيلة لفض النزعات بين المتنازعين على نحو سريع لان الطعن سيسمح بأطالة أمد التقاضى.
Issue II: المسألة الثانية: متى يجوز طلب بطلان حكم التحكيم:
نص المشرع على انه يجوز للمحكوم ضده فى حكم التحكيم طلب بطلان حكم التحكيم عند تقديم دعوى التصديق عليه، فنصت المادة (216/1) من قانون الاجراءات المدنية الاتحادى على أنه: ((يجوز للخصوم طلب بطلان حكم المحكمين عندما تنظر المحكمة فى المصادقة عليه.......)). ولعل السبب وراء ربط المشرع دعوى بطلان حكم التحكيم بدعوى التصديق عليه مرجعه إلى أن الحاجة إلى طلب بطلان حكم التحكيم لا تقوم لدى المحكوم ضده إلا عند التصديق عليه، باعتبار أن تلك الخطوة تهدف إلى بداية تنفيذ ما قضى به حكم التحكيم، الا انه ليس فى القانون ما يمنع من أن ترفع دعوى بطلان حكم التحكيم دون انتظار تقديم دعوى التصديق عليه، فيجوز أن يكون طلب أبطال حكم التحكيم عن طريق دعوى مستقلة، وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز حين قضت بأنه: ((.........، ولكن يجوز طلب إبطالها عند توافر أحد الأسباب المشار إليها فى الفقرات أ،ب،ج من المادة 216 السالفة الذكر، ويكون هذا الطلب إما بطريق رفع دعوى مبتدأة بطلب بطلان حكم المحكمين لأحد الأسباب المشار إليها فى المادة المنوه عنها آنفا، أو بطريق إبداء طلب عارض بالبطلان أثناء نظر المحكمة طلب التصديق على حكم المحكمين ، وذلك سواء كان التحكيم قد تم عن طريق المحكمه أو خارجها...........))، (دبي بتاريخ 17-02-2002 في الطعن رقم 2001 / 387 طعن حقـوق و 2001 / 414 طعن حقـوق). ونتناول الآن الحالات التى يجوز بسببها طلب بطلان حكم التحكيم من خلال القسمين السابق الإشارة إليهما على أن نبين بنحو مختصر معنى كل سبب تحت هاتين القسمين، وهما;
A. القسم الأول: أسباب ترجع إلى أتفاق التحكيم، وهى:
i. 1) صدور حكم التحكيم بغير أبرام وثيقة تحكيم بين أطراف التحكيم. أى أن يلجأ الاطراف إلى التحكيم دون أبرم وثيقة تحكيم تنظمه بينهما، ولعل السبب وراء هذا يرجع إلى ضرورة تحديد الإطار الذى يجب أن يتحرك فيه التحكيم والمحكم.;
ii. 2) صدور حكم التحكيم بناء على وثيقة تحكيم باطلة. وتبطل وثيقة التحكيم بعدم التوقيع عليها او عدم بيان موضوع التحكيم، أو صدورها من شخص غير أهل للجوء إلى التحكيم.;
iii. 3) صدور حكم التحكيم بعد أنتهاء الميعاد المتفق على أتمام التحكيم خلاله. كأن يحدد الاطراف ميعاد لانتهاء التحكيم بستة اشهر فقط ثم يصدر التحكيم خلال الشهر السابع من بداية التحكيم. ;
iv. 4) خروج المحكم عن حدود وثيقة التحكيم. كأن يتناول المحكم موضوع غير موضوع النزاع المحدد للفصل فيه أو ان لا يرتبط بالإجراءات المحددة فيه ويصبح طليقاً مما جاء فى وثيقة التحكيم.; or
القسم الثانى: أسباب ترجع إلى خصومة التحكيم، وهى:
1- 1) صدور حكم التحكيم من محكم لم يعين وفقاً للقانون. يجب ان يكون تعيين المحكم وفقاً للقانون سواء أكان أختيار المحكم عن طريق اللجوء للمحكمة المختصة لتعيين المحكمين أو عن طريق لجوء المحتكم إلى أحد الجهات المعترف بها لإختيار المحكم، ثم يتم أختيار المحكم دون الرجوع إلى طرفى التحكيم، أو يستمر المحكم المعين رغم اعتراض أحد طرفى التحكيم علي توليه التحكيم.
2- 2) صدور حكم التحكيم من بعض المحكمين دون أن يكونوا مأذونين بالحكم فى غيبة الآخرين. ولا يكون ذلك إلا فى الحالة التى تتكون فيها هيئة التحكيم من أكثر من محكم، ولا يكون هناك أذن من بعض المحكمين للبعض الآخر بإصدار الحكم دونهم، فإن وقع ذلك بطل الحكم باعتبار أن ذلك خطأ مبطل فى الإجراءات.
3- 3) صدور حكم التحكيم دون أن تحدد الوثيقة موضوع النزاع. أى أن يُترك المحكم حراً طليقاً دون تحديد موضوع النزاع الذى يجب أن يتناوله بالحكم فيه بعد دراسته وبحثه.
4- 4) صدور وثيقة التحكيم من شخص ليست له أهلية اللجوء للتحكيم كوسيلة لفض النزاع. كان يكون احد طرفى التحكيم شركة ويكون من وقع وثيقة التحكيم شخص لا يمثل الشركة ولو كان أحد الشرماء فى تلك الشركة.
5- 5) صدور حكم التحكيم من محكم لا تتوافر فيه شروط المحكم. أى أن يكون المحكم فاقد لاهلية تولى النزاع كان يكون قاصراً أو محجوراً عليه أو مفلساً أو محروما من حقوقه المدنية بسبب عقوبة جنائية .
6- 6) عدم تحقيق مبدأ المواجهة بين الخصوم. ويتحقق ذلك مثلاً بان لا يمكن المحكم أحد الخصمين من الرد على دفوع خصمه أو الاطلاع على ما يقدمه من مستندات ودفوع. .
7- 7) الأخلال بحق الدفاع. ويتحقق ذلك إذا أغفل المحكم الرد على الدفوع الجوهرية لأحد الخصوم كان تكون الخصومة صادرة بناء على مستندات مجحوده دون ان يرد على ذلك..
8- 8) 8) بطلان فى الحكم أو بطلان فى الاجراءات أثرت فى الحكم. كان يكون هناك تجهيل فى اسماء الخصوم وصفتهم او أن يصدر الحكم فى غير طلبات الخصوم أو أن يصل البطلان فى الاجراءات بالشكل التى تؤثر فى الحكم كان لا يمثل أحد الخصوم تمثيلاً صحيحاً فيؤدى إلى عدم تمكين صاحب الصفة القانونية الصحيحة من تقديم دفوعه ومستنداته.
هذه هى الاسباب التى تكون مبرراً لبطلان حكم التحكيم، ولا يجوز لغيرها ان تكون سبباً لبطلان حكم التحكيم، ولعلنا فى المقال القادم ان نتناول المسائل التى تخرج عن ولاية التحكيم، والفرق بين التحكيم والتفويض بالصلح..