Law Blog Categories

more

Most Viewed Articles

التحكيم في دبي و الإمارات

Published on : 16 Dec 2017
Author(s):F Sakaf

قرار التحكيم أم النظام العام

(النظام العام من الأمور الهشة، و إذا لم تقم بإصلاح الجزء المكسور من النافذة بأسرع وقت ممكن فإن النافذة كلها ستنكسر)

         الكثير منا يتراجع بعد البدء بإجراءات المحكمة، نظراً إلى كونها مكلفة و طويلة المدة بطبيعتها. لكن لحسن الحظ، فإنه يوجد طرق بديلة لتسوية النزاعات كالتحكيم. فقد أصبح التحكيم في العالم المعاصر خياراً ملائماً لكثير من المستثمرين، و هو موضع إقبال و ترحيب من قبل الدول المتقدمة التي تهدف إلى جذب الاستثمارات الدولية. فالتحكيم هو الحل الأنسب عندما يتعلق الموضوعالتحكيم في دبي بالتعامل مع النزاعات التي تنشأ بين الأطراف و مسائلها الحساسة..

إذا كنت أحد الخصوم، و قمت باختيار التحكيم لحل النزاع، فعليك أن تكون مطمئناً على أنه سيتم التعامل مع قضيتك بجد و حرفية من قبل خبير متخصص في هذه المسألة، على عكس اللجوء إلى القضاء و عدم معرفة ما إذا كانت قضيتك ستصل إلى الخبير المناسب و المختص الذي يمكنه أن يتعامل مع قضيتك بحرفية! فضلاً عن أن إجراءات التحكيم عادة تكون أسرع من إجراءات اللجوء إلى المحاكم، و خاصة إذا كان النزاع بين أطراف من دول مختلفة.

 

المسائل المحلية:

يمكن لكل طرف من أطراف النزاع أن يقوم بتعيين المحكم أو مركز تحكيم محدد. فعندما يتلقى المحكم الذي تم تعيينه الطلبات و الردود من الطرفين، يصدر قراراً بناء عليها، و هذا القرار الذي يقوم المحكم بإصداره يعد وفقاً لقانون دولة الإمارات العربية المتحدة قراراً ملزماً و نهائياً. فقد أعطى قانون الإجراءات المدنية الاتحادي رقم (11) لسنة 1992 للتحكيم سلطة في إصدار قرارات نهائية و ملزمة و قابلة للتنفيذ في المحاكم. و عليه، فلا يجوز لأي من الطرفين بعد صدور قرار التحكيم أن يطعن بهذا القرار بأي طريق من طرق التحكيم، إذ أن هذا القرار نهائي لا يمكن تعديله. إلا أن قانون الإجراءات المدنية الاتحادي قد استثنى من ذلك بعض الحالات في المادة 216 إذ أنه قد نص في هذه المادة على أنه يجوز للمحكمة أن تقوم بإلغاء قرار التحكيم. فقد نصت المادة سالفة الذكر على أنه : ﻳﺠﻮز ﻟﻠﺨﺼﻮم ﻃﻠﺐ ﺑﻄﻼن ﺣﻜﻢ اﻟﻤﺤﻜﻤﻴﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﻈﺮ اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺼﺎدﻗﺔ ﻋﻠﻴﻪ وذﻟﻚ ﻓﻲ اﻷﺣﻮال اﻵﺗﻴﺔ: إذا كان ﻗﺪ ﺻﺪر ﺑﻐﻴﺮ وﺛﻴﻘﺔ ﺗﺤﻜﻴﻢ أو ﺑﻨﺎًءً ﻋﻠﻰ وﺛﻴﻘﺔ ﺑﺎﻃﻠﺔ أو ﺳﻘﻄﺖ ﺑﺘﺠﺎوز اﻟﻤﻴﻌﺎد أو إذا ﺧﺮج اﻟﺤﻜﻢ ﻋﻦ ﺣﺪود اﻟﻮﺛﻴﻘﺔ، و إذا  صدر اﻟﺤﻜﻢ ﻣﻦ ﻣﺤﻜﻤﻴﻦ ﻟﻢ ﻳﻌﻴﻨﻮا ﻃبقاً ﻟﻠﻘﺎﻧﻮن أو ﺻﺪر ﻣﻦ ﺑﻌﻀﻬﻢ دون أن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻣﺄذوﻧﻴﻦ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﻏﻴﺒﺔ اﻵﺧﺮﻳﻦ أو ﺻﺪر ﺑﻨﺎًء ﻋﻠﻰ وﺛﻴﻘﺔ ﺗﺤﻜﻴﻢ ﻟﻢ ﻳﺤﺪد ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻮﺿﻮع اﻟﻨﺰاع أو ﺻﺪر ﻣﻦ ﺷﺨﺺ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﻪ أهﻠﻴﺔ اﻹﺗﻔﺎق ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﻜﻴﻢ أو ﻣﻦ ﻣﺤﻜﻢ ﻻ ﺗﺘﻮﻓﺮ ﻓﻴﻪ اﻟﺸﺮاﺋﻂ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ، و إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثّر على الحكم.

خلافاً لقانون دولة الإمارات العربية المتحدة لم يمنح القانون الفرنسي قرارات المحكمين سلطة على الأحكام القضائية، إذ أن القانون الفرنسي قد سمح بالطعن بقرارات التحكيم، هذا بالنسبة إلى قرارات التحكيم الداخلية. أما بالنسبة إلى قرارات التحكيم الدولية فهي نهائية و ملزمة.

فضلاً عن ذلك، ينص قانون الإجراءات المدنية في المادة (203) على أنه : " ولا يجوز التحكيم في المسائل التـي لا يجوز فيها الصلح ولا يصح الاتفاق على التحكيم إلا ممن له أهلية التصرف في الحق محل النزاع" و المسائل التي لا يجوز فيها الصلح و لا يمكن تسويتها تصبح مسألة من مسائل النظام العام، و هذا يعني أنه إذا تم التوصل إلى قرار تحكيم فيه انتهاك للدليل العام فإن هذا القرار سيتم إلغاؤه!

من الضروري فهم النظام العام كما تم تعريفه وفقاً لقوانين دولة الإمارات العربية المتحدة. فالنظام العام هو محموعة من المصالح الأساسية التي يقف عليها المجتمع سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، فقد وضع النظام العام لحماية المصالح، فيجب احترامها و اتبعاعها من قبل جميع أفراد المجتمع. إن مصطلح النظام العام واسع، و يختلف من مجتمع لآخر، فما قد يعتبر انتهاكاً للنظام العام في دولة الإمارات العربية المتحدة قد لا يكون كذلك في دول أخرى. فإن أي اتفاق أو قرار مخالف للنظام العام يعتبر باطلاً في دولة الإمارات العربية المتحدة. عرّف قانون المعاملات المدنية الاتحادي رقم (5) لسنة 1985 النظام العام، فقد نصت المادة (3) من القانون السالف الذكر على أنه : "يعتبر من النظام العام الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية كالزواج و الميراث و النسب و الأحكام المتعلقة بنظم الحكم و حرية التجارة و تداول الثروات و قواعد الملكية الفردية و غيرها من القواعد و الأسس التي يقوم عليها المجتمع و ذلك بما لا يخالف الأحكام القطعية و المباديء الأساسية للشريعة الإسلامية". و لكن قد يتسائل البعض، كيف يمكن أن يخالف قرار التحكيم النظام العام؟

رفعت قضية عقارية أمام محكمة التمييز في دبي بموجب الرقم 190/2011، و قررت المحكمة إلغاء قرار التحكيم، و ذلك نظراً إلى عدم توقيع العقد المبرم بين المشتري و المطور لبيع وحدة خارج المخطط في السجل العقاري المؤقت مما يجعله عقداً مخالفاً للنظام العام. فلجأ المشتري للتحكيم لإلغاء عقدي شراء تم إبرامهما مع المطور لأن عقود الشراء لم تسجل في السجل بناء على ما ورد في المادة 3 من القانون الاتحادي رقم 13 لسنة 2008 بشأن السجل العقاري المؤقت دبي و التي تنص ما ما يلي: " لا يجوز لأي وسيط عقاري ممارسة نشاط الوساطة العقارية في دبي ما لم يكن مرخصاً ومسجلاً في مؤسسة التنظيم العقاري".

محاميين في دبي ذكرت المحكمة في حكمها أنه بما أن المحكم الذي عالج هذه القضية يعرف أثناء الإجراءات أن العقود لم تسجل، فإن المحكم على علم بانتهاك النظام العام وليس له اختصاص في القضية. وبناء عليه، جعل قرار التحكيم هذا باطل و تم إالغاؤه. اتخذت محكمة التمييز في دبي موقفا مماثلا في القضية رقم 14 لسنة 2012. ويترتب على ذلك أن المستثمرين والمطورين يجب أن يدركوا أن الوحدات غير المخطط لها والتي لم يتم تسجيلها في السجل العقاري ستلغي اختصاص التحكيم بسبب الافتقار من تسجيل الوحدة، وسوف تصبح مسألة النظام العام التي ستكون ضمن الولاية القضائية الوحيدة للمحاكم.

لرفع قضية عقارات، لابد أولاً من فهم العملية الصحيحة من محامي عقارات و ذلك لضمان عدم تضييع الوقت و الجهد. فإذا قام مطور ببيعك وحدة غير مسجلة، عليك الذهاب إلى المحكمة لإلغاء اختصاص التحكيم في هذا العقد و المطالبة بإنهاء الاتفاقية الموقعة.

وبمجرد أن تنفذ المحكمة القرار، سيكون للمطور الحق في طلب الإلغاء بناء على مخالفة النظام العام. ولذلك، فمن المستحسن أن تذهب إلى المحكمة مباشرة في مثل هذه الحالات.

في نهاية المطاف، يجب أن يكون هناك توازن بين حماية النظام العام، الذي يحافظ على قيم المجتمع والتحكيم الذي يدعم المستثمرين من جميع أنحاء العالم للاستثمار في البلاد، والذي هو بوابة للاستثمارات الدولية والتنمية الاقتصادية في المنطقة

 فقد اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة خطوة هامة من حيث إنشاء منصات للتحكيم من خلال مراكز التحكيم العالمية. ومع ذلك، نحن بحاجة إلى وضع معايير واضحة على ما يعتبر جزءا من النظام العام بدلا من مجرد إعطاء أمثلة في القانون وتجاوزه إلى المحكمة لاتخاذ قرار.

Related Articles